الخطاب العاشورائي وعقلية المتلقي
الأستاذ محمد يوسف العرادي
يقول أمير المؤمنين -عليه السلام-: (العِلمُ عِلمانِ: مَطبوعٌ ومَسموعٌ) والناس ليسوا على مستوى واحد في الفهم والاستيعاب فهناك من يتلقى الخطاب ليحلله وينقده وربما يقّومه حسب رأيه إن اقتضى المقال توجيه مقال، وهناك من الناس يمر عليه الخطاب كنسمة هواء عليل تدغدغ مشاعره ولكنه لا يملك القدرة على إبداء الرأي، وهناك طرف ثالث همه البحث عن النقط السوداء في الثوب الأبيض، همه النقد بدون تقديم النموذج الأفضل.
في كل عام يتجدد خطاب عالمي متمثل في المنبر الحسيني العاشورائي ويزحف العالم الشيعي لتلقي ذلك الخطاب ويشدهم إلى ذلك حبهم الذي لا ينتهي بمرور الأيام والليالي، وحرارة حب الإمام الحسين -عليه السلام- التي لا تبرد أبداً، ففي الحب والولاء يجتمعون ولكن في مستوى التلقي يتمايزون.
إن المجالس الحسينية مجالس وعظ وإرشاد ويكفي الحضور فيها إحراز الأجر الكبير، وبالإمكان جعل هذا الحضور ذو فائدة أكبر لو تلقينا هذا الخطاب تلقي دراية لا رواية، فما فائدة قراءة مقتل الإمام الحسين -عليه السلام- من غير معرفة منزلة من قتل وهل آثار قتله مستمرة أم انتهت لنبكي عليه في كل عام؟
هل خسر العالم بقتل الإمام الحسين -عليه السلام-؟ هل سكن دم الحسين وأخذ بثأره؟ كثيرة هي التساؤلات التي يحملها المستمع وينتظر الخطاب العاشورائي على أحر من الجمر ليروي ظمأه المعرفي ليقرأ ما وراء النص الحسيني. في الواقع تختلف الرغبات في تلقي الخطاب الحسيني فهناك من تجذبه البحوث الفلسفية وهناك من يميل للخطاب التاريخي ويتوق للسرد التاريخي ولا ننسى من يحب التحليل ومعرفة إرهاصات قتل الإمام الحسين عليه السلام.
ويبقى طرف آخر لا يقبل بغير من يجذب دمعته من عينيه بذكر مصيبة الشهيد الغريب -عليه السلام-. يجب أن لا ننسى النية فالمرء ونيته فإن كانت خالصة لله فما لله ينمو، فكل منهم له أجره وثوابه عند الله، ويجب علينا احترام المناسبة وصاحبها الإمام المعصوم ولا نسّقط الآخرين بكلمات ربما تحسبها هينة وهي عند الله عظيمة فالكل يخدم بطريقته ولا نقلل من شأنهم فهناك من يقول أن الخطيب الفلاني لا يعجبني لأنه لا يبكيني، متناسياً أن البكاء حالة في النفس متى عشت الحدث ستبكي وهذا ليس عيب في الخطيب فقد روى هارون بن خارجة، عن أبي عبدالله -عليه السلام- قال: ( كنّا عنده فذكرنا الحسين عليه السلام -وعلى قاتله لعنة الله- فبكى أبو عبدالله عليه السلام وبكينا، قال: ثمَّ رفع رأسَه فقال: قال الحسين عليه السلام: أنا قتيل العَبرَة، لا يذكرني مؤمن إلاّ بكى).
إذاً المؤمن لا يحتاج سوى أن يذكر الحسين -عليه السلام- لكي تجري دمعته، وبالنتيجة المتلقي للخطاب الحسيني لابد أن يكون ورعاً ويعقل الخطاب عقل دراية لا عقل رواية لنكون مصداقاً للحديث المروي عن أبي عبدالله مولانا الصادق –عليه السلام- أنّه قال: (حديث تدريه خير من ألف حديث ترويه).